فتح اللقاء الذي اجراه الاعلامي الطاهر حسن التوم مع الاستاذة سناء حمد أبواب الخزان لكتاب المقالات في الاسفير السوداني, فانهمرت المقالات والتعليقات التي, في واقع الأمر, فضحت حقيقة مواقف كتابها من قضيتين محوريتين في السياسة السودانية, خاصة بعد ثورة ديسمبر 2018. فالثورات, كما يقول الكلونيل شالرز اس اوليفيرو في كتابه القيم "استراتيجية", الحقيقية تكون حول أفكار جديدة…..ويضيف "الثورات الحقيقة تحدث, فوق كل شئ, في عقول الناس"", أي أن الثورة ليست فقط تغيير حكومة بأخرى او استبدال شاغلي المقاعد الوزارية السابقين باخرين, وانما تكون الثورة في تغيير نظم التفكير لدى البشر, وتبنيهم افكار جديدة تحدث قطيعة مع الأفكار القديمة أو التقليدية. ثورة ديسمبر قامت ضد الحكم العسكري وضد اضطهاد المرأة وباقة اخرى من القيم والمثل. ثورة ديسمبر قامت ضد حكم عسكري عضوض كتم أنفاس البلد واهله لثلاثين عاما, ولذلك كان أهم شعارات الثورة هي شعار "مدنياووو". أي أن الشعب الذي ثار على نظام الانقاذ نادي بحكم لاعسكري يقوم على أمره المدنيون. شروط الدولة المدنية معروفة, دولة تقوم على دستور متوافق عليه و قانون يسري على الجميع, الحكام قبل المواطنين, والمساواة بين المواطنين أمام القانون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو اللون أو اللسان أو العرق أو النوع: إناث أم ذكور. والقضية الثانية في الثورة هو دور المرأة في المجتمع, فقد شاركت المرأة بشكل لا يمكن إنكاره في النضال ضد الانقاذ, ودخلت السجون و المعتقلات و تعرضت للتعذيب وشاركت في المظاهرات وتنسم البنيان وتحملت لسعات سوط البوليس والأمن. الفتيات والنساء اللاتي قاومن نظام الانقاذ استندن على جذور عميقة لحركة حقوق المرأة في السودان تبلورت في الاتحاد النسائي السوداني, الذي ناضل لتنال المرأة السودانية الحق في المواطنة الكاملة. المواطنة الكاملة تعني فيما تعني المساواة الكاملة في تحمل المسئولية الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية في المجتمع, أن يكون للمرأة -أي امرأة,وبغض النظر عن انتمائها الفكري أو السياسي او التنظيمي-الحق في المشاركة بشكل كامل في كل مجالات الحياة اسوة بمواطنيها من الرجال. لكن اغلب المقالات و التعليقات التي كتبت حول لقاء الاستاذة الاسلامية سناء حمد بكبار الضباط الاسلاميين في تنظيم المؤتمر الوطني, والتي كتبها أشخاص ينتمون لتيار الثورة, جاءت مناقضة لجوهر المدنية ومعادية ومستهزئة بالمرأة وحقها في تكلف مهام تكفلها لها فكرة الدولة المدنية, ودورها الفعال في ثورة ديسمبر. نعم الاستاذة سناء حمد لم تشارك في الثورة, بل هي معادية لها, لكن موقعها المعادي للثورة لا يسلبها حقها في ان تستمتع بما اكتسبته المرأة السوداني بنضالها ضد الديكتاتوريات, لكونها امرأة وايضا لانها حققت مطالب النساء بكسبها ووصولها لمواقع قيادية في التنظيم الذي انتمت إليه. كما ظهر جليا في المقالات التي ساعرض لها هنا استهوال كبير جدا بمكانة العساكر, فهم اكبر من ان يجلسوا للمدنيين ناهيك أن يكون من يحقق معهم امراة كما يعتقد كتاب المقالات, وهذا يكشف مركب نقص في ذهن بعض المدنيين تجاه ضباط الجيش, ازعم ان ذلك النقص في هو ما ادى في النهاية لوأد الثورة عندما نادي من وضعتهم الأقدار في قيادة الثورة بضرورة مشاركة الجيش في الحكومة الانتقالية على الرغم من أن الثورة اصلا قامت ضد حكم العسكر, دعونا نستعرض ما جاء في تلك المقالات والتعليقات التي استسهلت اطلاق الآراء بدلا عن تكلف عنت التفكير في جوهر الظواهر ودلالتها," كما قال الرئيس الأمريكي “We enjoy the comfort of opinions without the discomfort of thought” JFK
تراوحت "المقالات" التي كتبت, تعليقا على لقاء السيدة سناء حمد القيادية في الحركة الإسلامية السودانية مع الإعلامي, الاسلامي ايضا, الطاهر حسن التوم, بين السخرية والشماتة و الشفقة على ضباط الانقاذ الاسلاميين الذين جلسوا للسيدة سناء حمد لمناقشة أداء أولئك الضباط وفشلهم في منع ثورة ديسمبر في السودان. أول ما اطلعت عليه من تلك التعليقات كان من هشام عباس, الناشط المعروف, في تويتر. تعليق هشام عباس جاء أحد زملاء الدراسة في مجموعة دفعتي في الجامعة في الواتساب. هشام عباس كتب في تويتر "انه الهوان: هل هناك جيش محترم ويملك قادته ذرة احترام لأنفسهم يقبل بهذا؟؟ سناء حمد في حوار مع الطاهر التوم تقول ان الحركة الاسلامية كلفتها بالتحقيق حول عزل البشير إبان الثورة الشعبية وبتقول انها قامت بالتحقيق مع قادة الجيش…متخيلين!!!."..ويواصل "واحدة لا لها علاقة بالجيش ولا لها علاقة بجهة قانونية او عدلية تقوم تطلب قادة الجيش للتحقيق والسادة البهاليل أصحاب الرتب والنياشين خضعوا لها وجلسوا للتحقيق ليبرروا لها أسباب عزل البشير". هشام عباس اتبع تغريدته في تويتر بمقال حول نفس الموضوع تحت عنوان "سناء حمد وجيش البلد" و كتب فيه:"هناك مقطع فيديو شهير سرب من التحقيقات التي تمت مع رئيس أركان الجيش إبان المحاولة الانقلابية التي جرت في 2019 …..ولاحظ ماذا يقول أكبر رتبة في الجيش وصاحب اهم واخطر موقع في الجيش عندما يتحدث عن قادته وممن يتلقى الأوامر! لن تجد اسم عسكري واحد جميعهم مدنيون.".. ثم يواصل هشام عباس "جميعهم مدنيون وقادة في التنظيم والحزب وهو بنفسه يقول حرفيا في المقطع (ديل قياداتي)". إذن في رأي الناشط "المدني" هشام عباس إن خضوع قادة الجيش لتحقيق أجرته "واحدة" "لا علاقة لها بالجيش يجعل أولئك الضباط بهاليل ويعتب على أحد ضباط الجيش اعترافه بأن قادته مدنيون. ذلك يطعن في الجيش, في رأي هشام عباس, مما يستدعي أن يلقى "هذا الجيش في اقرب مقلب قمامة" كما كتب في تويتر! هشام عباس لا يستطيع أن يستوعب كيف لضباط كبار, لو كانوا يحترمون أنفسهم, أن يقبلوا بالهوان ويجلسوا مع "واحدة" لا علاقة لها بالجيش. كما أنه لا يستوعب أن يقر ضابط كبير ويشغل موقع خطير في الجيش بأن "قادته" مدنيون! ألا يحق لنا أن نسأل هشام عباس, المناضل ضد الانقاذ, ما هو مفهومه عن المدنية التي ينادي بها؟
أهم ملامح النظام المدني هي أن تكون إدارة الجيش العليا من المدنيين. دعونا نستشهد بموقع ويكيبيديا و نرى تعريف ويكيبيديا للعلاقة بين العسكريين والمدنيين في النظام المدني. سأضع ترجمتي لما اقتبسته من ويكيبيديا هنا, و سأرفق النص الأصلي و الرابط في نهاية المقال. ويكيبيديا تقول:"الادارة المدنية للجيش هي معتقد في العلوم العسكرية والسياسية يضع المسئولية الأعلى عن القرار الاستراتيجي في البلاد في يد السلطة المدنية, بدلا عن أن تقع بصفة كاملة في يد القيادة المهنية للجيش نفسه. وهكذا, فإنه مطلوب مبدئي وأساسي في اي دولة ان تتاكد من ان انشطة قواتها المسلحة خاضعة للأهداف السياسية للحكومة الدستورية, وبذلك يجب أن تكون القوات المسلحة تحت التحكم المدني. مفهوم التحكم المدني يقع ضمن مفهوم العلاقات المدنية-العسكرية الأوسع ويمثل "ضرورة أن يكون الجيش خاضعا للسلطة المدنية ويعكس, لدرجة مناسبة قيم وعادات المجتمع"
بالاطلاع على هذا التعريف من ويكيبيديا لما يجب أن تكون عليه علاقة الجيش بالمدنيين, فاننا نجد ان ما سخر منه هشام عباس هو، في الحقيقة، لب النظام المدني الذي يسعى لإقامته, وعين ما ينادي به ثوار ديسمبر، حين هتفوا "مدنياوووو"، وجوهره خضوع الجيش للادارة المدنية. إذن حسب العرف السياسي المدني لا يعتبر عيبا أن يقر ضباط كبير في الجيش بأنه يخضع لقادة مدنيون, بل ذلك هو ما يجب أن يكون عليه الحال. كما انه من المفترض ان يكون اولئك المدنيون "مدنيون" ولا علاقة لهم بالجيش و لا غضاضة أن يكون أولئك المدنيون نساء او امرأة واحدة.
فلو ارجع هشام النظر مرتين في كنه ما حدث, فإنه كان ربما احتفل بحادثة إخضاع السيدة سناء حمد لكبار ضباطهم للتحقيق.
هناك عدة مقالات كتبت في الموضوع وكلها جنحت للسخرية من أن امراة حققت مع كبار الضباط مما يعكس استحقار للمرأة وايضا قلة معرفة بكنه النظام المدني, منها ما سيضحكك أيها القارئ من وجع ما قد تقرأ, سانقل هنا بعض الاقتباسات فقط ليرى القارئ البون الشاسع بين الشعارات التي نرفعها وبين فهمنا وممارستنا لمطلوبات تلك الشعارات العقليات التي تعادي النساء وتستقل قيمة المدنيين في مقابل العسكريين و في نفس الوقت تدعي انها مع النظام المدني. كتب بكري الصائغ مقال تحت عنوان "قمة المهازل:سناء حمد "أخضعت قادة الجيش للتحقيق" حول اسباب سقوط النظام السابق. بكري الصائغ سرد قصة قال فيها إن بدرية سليمان مستشارة السوداني السابقة (ربما قصد مستشارة الرئيس السوداني) للشؤون القانونية, و القيادية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم كشفت في ندوة أقيمت حول قانون الأمن الوطني مشاركتها جماعة البشير في عملية التخطيط والتنفيذ لانقلاب 30 يونيو الذي جاء بحكومة الانقاذ". بكري واصل ليحدثنا كيف أن بعض الناس لم يصدق الخبر، واعتبروه كذبة ابريل، و"فئة اخرى سخرت من القوات المسلحة التي لم يعد فيها رجال يقومون بالانقلابات, فتوكلت بدرية ولفحت ثوبها ودخلت القيادة العامة وقامت بالانقلاب"...وليس بكري الصائغ وحده من يسخر ممن يلبسن التوب في السودان و يدني من شأنهن. ففي مقال ايضا منشور في الانترنت, كتبه علي احمد, بعنوان "جيش سناء"و وجاء في مقاله باقتباس من تويتر كتبه شخص يدعى القبطان, قال فيه "قضي الأمر الذي فيه تستفتيان الكيزان ما خلوا ليكم فرقة يا جماعة المؤسسة القومية قاليكم دا جيشهم لدرجة برسلوا سيدة بي توبها (الصحيح بتوبها) وحنتها ومن الصف الثاني تقعد قادته وتحقق معاهم" انتهى ..ويحدثنا بكري أنه "ضحكت الجماهير كثيرا وهي تتخيل بدرية في زي عسكري برتبة عالية". في مخيلة بكري الصائغ ان الشعب السوداني لا يستطيع حتى تخيل "امرأة" "في زي عسكري برتبة عالية", انظر عزيزي القارئ لاي درك من الرجعية واحتقار المرأة يقودنا امثال بكري الصائغ. يبدو ان بكري لا يعرف أن هناك نساء في قمم اعتى جيوش العالم ومنها الجيش الأميركي والبريطاني والاسرائيلي وغيرها. ويصل بكري للنقطة التي يقول فيها "وما كدنا نلملم أنفاسنا بعد سنوات من هول صدمة بدرية, وكيف أن النساء في السودان أصبحت ذات قوة واستعداد القيام بانقلابات اذا لزم الامر, حتى جاء خبر نشر في موقع "ارم نيوز" تحت عنوان:- (السودان..مسؤولة في نظام البشير تكشف تفاصيل عن تحكم الإسلاميين بالجيش) ويواصل (...-كشفت القيادية في حزب المؤتمر الوطني المنحل, سناء حمد, ان الحركة الاسلامية "أخضعت قادة الجيش السوداني للتحقيق". و إمعانا في السخرية من واقعة أن تحقق سناء حمد مع قادة الجيش يقول بكري الصايغ:"لا يهمني من الخبر اعلاه الا معرفة كيف جرت التحقيقات وبأي شكل؟!!, هل مثلا جرت سناء الفريق اول عوض بن عوف, من أذنيه واجلسته تحت قدميها وراحت تؤنبه وتلومه القيام بانقلاب على البرهان (بكري الصائغ يقصد البشير) صاحب النعمة عليه وأعطاه الكثير"...وفي النهاية يبدي بكري شفقته على اولئك الضباط الكبار من هول ما تعرضوا له من اهانة بجلوسهم مع امراة لتحقق معهم, ويتساءل "واخيرا, ما تأثير نشر الخبر على الجنرالات الذين أجريت معهم التحقيقات, وان التي قامت بالتحقيقات "واحدة ست"! دعنا نتخيل بعض ما قد يكون جال في ذهن الكاتب بكري الصائغ الذي قد يكون حدث للضباط من ذيوع خبر جلوسهم مع "واحدة ست"؟ ربما الخجل الشديد و المهانة و الاكتئاب الشديد من تدهور صورتهم وضياع هيبتهم أمام أحد دعاة الدولة المدنية لانهم جلسوا بين يدي شخص غير عسكري والادهى والامر ان ذلك الشخص "واحدة ست", يا للعار!
من ضمن الذين علقوا على "مقال" بكري الصائغ شخص باسم "نصير المدنية". الجدير بالذكر ان نصير المدنية نشر نفس تعليقه الذي أنقله هنا في تعليقاته على عدد من المقالات في الانترنت. نصير المدنية كتب لبكري وآخرين "كان هناك كوز مهاجر يكتب من منازلهم اسمه محمد وقيع الله دخل في سجال مع رباح الصادق المهدي عام 2007 ورد عليها في ذكورية سافرة بمقالة عنوانها:"لو غير ذات سوار انتقدتني" وبالمثل كان على هؤلاء الضباط أن يحتجوا يقولوا:"لو غير ذات سوار حققت معي!" لكن هنا انتصرت الانثوية في شخص سناء حمد على الذكورية العسكرية وهذا ما لا يرضاه لهم أخوهم المهاجر وقيع الله". لا ادري هل كان "نصير المدنية" يسخر من ذكورية بكري الصائغ أم أنه جاء بتلك القصة لتعزية بكري الصائغ في مصابه الجلل وخيبة أمله في الضباط الذين ارتضوا أن يجلسوا ل"واحدة ست" لتحقق معهم!
لا اعرف اي منهج يتبع بكري الصائغ لتحليل الظواهر امامه, لكن دعنا نجرب منهجا مختلفا يتسم بالموضوعية و قليل من العلمية. الظاهرة كان ان سيدتين في تنظيم الاسلاميين السودانيين (الجبهة القومية الاسلامية او المؤتمر الوطني) كانتا لهن التخويل الكافي داخل تنظيمهن ليتصلن بقيادات الضباط في ذلك التنظيم في حالتين مختلفتين, كيف يمكن تفسير ذلك؟ احد الاستنتاجات يمكن ان نصل له هو ان تنظيم الاسلاميين يخول نساءه و يعطيهن مهام للاتصال بضباطه الذين لا يستنكون الجلوس معهن لمناقشة امور تهمم. استنتاج اخر كان يمكن ان يكون ان تنظيم الاسلاميين له الية للتعامل مع ضباطه ويخضع اولئك الضباط للرأي السياسي المدني في التنظيم. استنتاج ثالث كان يمكن ان يكون وهو ما وصل اليه بكري الصائغ وهو ان ضباط الجيش السوداني, على الاطلاق, ضعاف ويسمحون للمدنيين باستجوابهم بل والادهى والامر فانهم يسمحون للستات ان يستجوبنهم. الاستنتاجين الاولين في صالح الجبهة الاسلامية/المؤتمر الوطني وفي الوقت الذي لا يمكن استخدامهما للشماتة على الضباط و لا السيدتين ولا اهتبال فرصة وقعت من السماء لنقد المؤتمر الوطني/الجبهة الاسلامية, لكنه يمكن في نفس الوقت ببعض ذكاء استخدامهما كسابقتين في وجه ضباط مثل فتح الرحمن برهان وشمس الدين كباشي اللذين يتشدقان بانهم لا مجال لتدخل المدنيين في شئون الجيش. لكن بكري الصائغ اختار السبيل الاسهل, فقد اختار ان يدلل على ضعف ضباط الجيش وخنوعهم للمدنيين, بل وللستات. هنا بكري الصائغ اطلق النار على قدميه shot himself in the foot, كما يقول الخواجات, واصاب شعارات المدنية وحقوق المرأة في مقتل, وهزم هدفه defeated his purpose, ايضا كما يقول الخواجات.
لو ان بكري الصائغ كان اختار الاستنتاجات الاكثر موضوعية والتي تخدم مشروعه (اعتقد انه ضد حكم العسكر ومع النظام المدني الذي يخضع العسكريين لادارة المدنيين وربما ايضا مناصرا لحقوق المرأة ولو على مستوى القول, فما فعله في مقاله لا يشهد له بذلك). كان يمكن استخدام السابقتين في الحوار و النقاش مع العسكريين لقبول الخضوع للادارة المدنية, وفي الاحتفال بنيل النساء الحق في لعب ادوار حقيقية وذات معنى في المجتمع. لكن ايضا كان يمكن استخدام الحادثتين في نقد سيطرة الجبهة الاسلامية/المؤتمر الوطني على الجيش وفرض كوادرها في قيادته وان ذلك سبب في ضعف اداء الجيش الذي افرغته سيطرة الاسلاميين من الكوادر الوطنية والمؤهلة التي ما كانت ستسمح بتنامي مليشيا الدعم السريع عددا وعتادا لتخرب الوطن والذين كان يمكن ان يسهموا بخبراتهم ومهاراتهم في القتال و التخطيط في هزيمة الجنجويد وانهاء الحرب. ولكن حب الشماتة واهتبال الفرص لاصطياد "الانتصارات" السهلة, اعمياء البصر والبصيرة.
"لمان يضيع عرق الجباه الشم شمار في مرقة….ينكر المزارع ثمار بذره!
عندما قرأت مقال د. مرتضى الغالي, سرت قشعريرة في عمودي الفقري وانتصبت شعر رأسي, فقد تنازعني الشعور بالذعر والخوف الشديد من أن تقوم الميدان, صحيفة الحزب الشيوعي السوداني, بنشر مقاله المعنون:"أمرأة من تنظيم غير مسجل تستجوب قادة الجيش البواسل". الميدان درجت على نشر مقالات د.مرتضى الغالي. عدة اسئلة جالت في راسي وانا اقرأ العنوان, حول دلالة عدد المرات التي كتب دكتور مرتضى الغالي كلمة "امرأة" في مقاله: هل هو يستنكر أن من قامت باستجواب ضباط لجنة البشير الامنية كانت امرأة وما ينبغي لضباط عظام ان يجلسوا لامرأة لتحقق معهم, أم هو يستنكر الاستجواب لأنها تنتمي لتنظيم غير مسجل؟ ماذا يقصد بتنظيم غير مسجل هل هو التسجيل في دفاتر الانقاذ ام ان تسجيلا جديدا جرى بعد الثورة؟ وهل كان يعني كلمة بواسل حرفيا أم أنه يستهتر بهم لانهم جلسوا ل"امرأة" لتحقق معهم؟ ابتهلت إلى الله أن لا تنشر الميدان مقال د. مرتضى الغالي لاني اعتقد ان المقال يقف ضد كل ما يمثله الحزب الشيوعي في مواقفه من قضايا النساء." لكن الفاس وقعت في الراس ونشرت الميدان مقال مرتضى الغالي.
تخيل, عزيزي القاريء, ان الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم بعثت من سباتها الأبدي هذه الأيام و اطلعت على ما يكتبه دعاة الدولة المدنية في ردة فعلهم على ما ذكرته الاستاذة سناء حمد, الوزيرة الانقاذية والقيادية في تنظيم الإسلاميين في السودان. وتخيل ان الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم قرأت فيما قرأت المقال الذي كتبه د. مرتضى الغالي ونشره تحت عنوان:"امرأة من تنظيم غير مسجل تستجوب قادة الجيش البواسل" في إحدى صفحات الميدان صحيفة الحزب الشيوعي!
لكي لا يفهمني الناس بالغلط, فمرتضى الغالي ليس ماركسيا أو شيوعيا, لتعقد الدهشة لسان عقل الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم, لموقفه من المرأة و استخدامه كلمة "امرأة",مرارا وتكرارا, ليستهجن قيام السيدة سناء حمد بالتحقيق مع ضباط اللجنة الامنية اثر سقوط نظام الانقاذ نتيجة لثورة ديسمبر. كنت, وقبل هذا المقال بأيام قد سألت أحد اصدقائي, وكان قد أرسل لي مقالا كتبه مرتضى الغالي ولقد رأيت عدد من مقالات مرتضى الغالي في صحيفة الميدان, فسألت صديقي عن علاقة مرتضى الغالي بالحزب, فأخبرني أنه "ليس زميل لكنه متقدم فكريا". إذن كل ما أتوقعه عندما أقرأ لشخص "متقدم فكريا" هو أن يكون متقدم فكريا, لا اكثر ولا اقل. وعندما يعنون هذا الشخص المتقدم فكريا مقاله ب""امرأة" من تنظيم غير مسجل تستجوب قادة الجيش البواسل!!" بعلامتي تعجب, فإن ذلك يثير أكثر من مجرد الدهشة. وأكثر من ذلك فقد كتب في مقاله " يا لفجيعة ما ذكرته هذه المرأة على هؤلاء التنويريين اصحاب (خالف تلمع)...! وما كشفته من خنوع "القادة العظام" الذين يقودون الحرب اليوم لاستجوابهم حري بأن يصيب هؤلاء الاخوة المثقفين (بارتفاع حاد في البولينا)..!
إذن استجابة ضباط الانقاذ, الذين يسميهم كاتبنا ب"القادة العظام" للتحقيق الذي أجرته معهم "امراة", هو خنوع, ومن فداحة تلك الحادثة فإن ذلك سيصيب من اسماهم "الاخوة المثقفين" (مرتضى الغالي يقصد بالمثقفين الذين يقفون مع الجيش في الحرب ضد الدعم السريع) (بارتفاع حاد في البولينا). واضح ان مرتضى الغالي يرى في خضوع ضباط الجيش لتحقيق تجريه امرأة, عار وايما عار, و سبب لارتفاع البولينا لدى من يدعمون جيش يخضع ضباطه لتحقيق تجريه امرأة. ثم يسترسل كاتبنا ويقول "نكاية في قيادة الجيش الكيزانية فان "الزبير أحمد" رئيس حركتهم التي يسمونها اسلامية لم يكلف لجنة معتبرة من رئيس وأعضاء للتحقيق مع هؤلاء "القادة"..بل أرسل لهم امراة"!. ويواصل" بل أرسل لهم امرأة واحدة لتستجوبهم واحدا بعد الآخر..ثم تجبرهم للتوقيع على افادتهم بخط أيديهم." ويواصل مرتضى الغالي ليرينا مدى الاهانة والعار الذي تعرض له "قادة الجيش البواسل" فيقول:"لقد استجابوا جميعا لهذا التحقيق ولم تكن لدي واحد منهم نخوة عسكرية ولا كرامة ذاتية ولا نفحة من احترام النفس حتى يرفض مثل هذا التحقيق الذي يأتي من خارج الجيش ومن امرأة مدنية." إذن مرتضى الغالي لا يعتقد ان الجيش يجب ان يخضع لتحقيق من "خارج الجيش" و يستنكف أن يخضع قادة الجيش للتحقيق أمام من هم خارج الجيش وانها مصيبة عظيمة عندما تجري ذلك التحقيق امرأة! ولا يتوانى كاتبنا امعانا في إدهاشنا بمدى احتقاره للمرأة و فيكتب "هل يجوز أن يخضع قادة جيش وطني لاستجواب من امرأة واحدة….؟" كاتبنا "المدني" لم يفصل لنا فيما كان سيكون مقبول لديه إذا كانت لجنة التحقيق من الرجال او من أكثر من امرأة, ولكنه يواصل ليقول "حدثني عن أي هلاهيل وخيالات ماتة وفزاعات طيور و(مدافع دلاقين) يمكن أن تستجيب لتحقيق مثل هذا" ويستمر "هل لهذه المرأة أي علاقة بالجيش حتى يسمحوا لها ليس بالدخول فقط…إنما باستجواب قائد عام الجيش ونوابه وجنرالاته وأركان حربه واحدا تلو الآخر..؟!".....لا حول ولا قوة الا بالله, عزيزي القارئ من كتب هذا ليس سلفي داعشي ولا أنصار سنة ولا شيخ "تف تف" ولا حتى أخ مسلم, من كتب هذا يوصف بأنه "متقدم فكريا" ويكتب بصورة دارجة في صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني, و الانكى والامر ان الميدان نشرت مقاله كاملا في عددها رقم 4170 الصادر يوم 26 مارس سنة 2024. جريدة الميدان الناطقة باسم حزب فاطمة احمد ابراهيم التي أنشئت الاتحاد النسائي مع رفيقاتها لتنال المرأة السودانية الحق في المساواة و الاعتبار، نشرت مقال الدكتور مرتضى الغالي المهين للمرأة! و الذي فلنحسن النية ونقول يتجاهل مبادئ المدنية التي نادى بها ثوار ديسمبر التي أسقطت حكم العسكر وكان شعارها "العسكر للثكنات و الجنجويد يتحل", المدنية التي تقوم على مبدأ خضوع الجيش للمدنيين.
اولا اود ان ارد على سؤال د. مرتضى الغالي:"هل يجوز ان يخضع قادة جيش وطني لاستجواب من امراة واحدة" بنعم يجوز وان تلك احدى مطلوبات المدنية. واريد, ايضا" ان اذكر صحيفة الميدان بفاطمة احمد ابراهيم وزميلاتها اللائي ناضلن من اجل حقوق المرأة واهمية دورها كلاعبة فاعلة في كل انشطة المجتمع وليس اعظمها التحقيق مع ضباط الجيش. انقل هنا بعض ما كتبه د. عبدالله علي ابراهيم في مقاله "التغييرفوبيا في الذكرى الخامسة لثورة ديسمبر 2018-ابريل 2019" فقد قال "اما امر منح "ثورة اكتوبر" حق المراة في التصويت فعجيب, لان فيه مصداقا لقول كلارك ان "القوى المتصارعة لا تخرج من الثورة على حالها وكان الثورة فاصل ونواصل", وخلافا لذلك تخرج هذه القوى وقد علق بها من الثورة عالق, وهذا ما حدث للحركة الاسلامية, فكانت رائدات فيها استقلن من الاتحاد النسائي السوداني عام 1954 لانه طالب قبل انتخابات الحكم الذاتي بمنح المراة حق التصويت, وقلق انه مما لا يجيزه الاسلام. ومن غرائب الصدف ان سعاد الفاتح, الوجه البارز في الانشقاق على الاتحاد النسائي المار ذكره, فازت بعد مرور ثلث قرن من موقفها ضد منح المراة حق الاقتراع والترشيح بمقعد برلماني في انتخابات عام 1986, وكان وراء ذلك التغيير تجديد الدكتور حسن الترابي للحركة الاسلامية بعد صعوده لقيادتها بعد "ثورة اكتوبر", فقال انه نظر لتوافد النساء على اروقة الحزب الشيوعي في الانتخابات وغيرها يطلبن التحرر من ربقة التقاليد, وقال في نفسه لماذا لا يكون تحررهن بواسطة الاسلام, فكتب في هدأة السجن كتاب "المرأة بين الاسلام وتقاليد المجتمع" (1973), وتدارسه مع اخوانه في السجن وخارج السجن وبعض رفاقه خارج السودان في تكتم خشية ان يخرج للعلن فيفسد قبل ان يتوطن في افئدة الجماعة, فكان جاء فيه باجتهادات جرئية في فقه الاسلام وطنت المرأة في ميدان السياسة كما لم يطرأ للاسلاميين من قبل, وصارت الحركة الاسلامية بعد نشر الكتاب قبلة للنساء, وسمى الترابي ذلك "كسبا" في كتابه "الحركة الاسلامية: المنهج و الكسب (1989). دكتور عبدالله علي ابراهيم يواصل في مقاله ليقول:"ويروى عن رئيسة الاتحاد النسائي واول نائبة برلمانية عام 1965 عن اليسار, فاطمة احمد ابراهيم, قولها بسعادتها لفوز سعاد الفاتح وزميلاتها في برلمان عام 1986,فهي عندها نساء قبل ان يصرن اسلاميات" انتهى الاقتباس من مقال د. عبدالله علي ابراهيم. يا لفداحة الخطب وعظم المصيبة, الحزب الشيوعي يزرع فكرة حقوق المرأة ويحصدها الكيزان و تنشر الميدان مقال يسخر من ممارسة امراة حقها الطبيعي كمواطن في لعب دور اجتماعي يقتضيه النظام المدني الذي ينادي به الحزب الشيوعي وكاتب ذلك المقال! اقول للميدان للاسف فقد ضيعت نضال شابات وشبات ونساء ورجال ناضلوا من اجل ان تصل المرأة لما قامت به سناء حمد وناضلوا من اجل المدنية التي تفترض خضوع الجيش للمدنيين, للاسف بنشركم مقال مرتضى الغالي فقد "جدعنا الجنا مع التبيعة", وانكرنا ثمرة نضالنا.
ذكرت اعلاه ما كتبه "نصير المدنية" تعليقا على عدة مقالات كتبت حول لقاء السيدة سناء حمد مع ضباط المؤتمر الوطني اثر ثورة ديسمبر, وانه اشار للذكورية التي تفوح من من رد على السيدة رباح الصادق و يسري على حال المقالات التي تواترت بعد فيديوهات الطاهر التوم والسيدة سناء حمد, اذن لم يفت امر الذكورية على الجميع. طلعت الطيب, وقد كانت لي معه سجالات و مناقرات في سودانيزاونلاين, كتب مقاله "تصريحات سناء" انتبه للسفح الزلق الذي قد ينحدر عليه من لا يتناول الأمر بما يستحق من الحذر والحيطة, فقال "تصريح سناء حمد المتعلقة باستجواب قيادات الجيش لا علاقة لها بالشعب وليست موجه اليه لانه شعب, على ايه حال, يمتلئ بمشاعر الذكورة ولا يقبل أن تقوم سيدة باستجواب قيادات الجيش التي ترمز إلى القوة والفحولة في الذهنية العامة….التصريح عبارة عن رسالة للعالم الخارجي". طلعت الطيب الميال للتنظير و اقتحام ساحات الفكر, سقطت "دليبة" الذكورية تحت قدميه, "فجلاها واقفة"! وبدلا عن ان يستنكر تلك الممارسة الذميمة او يصارعها فكريا ويبين ان استجواب ضباط الجيش يعتبر احدى مقتضيات النظام المدني وان للمرأة حق في لعب اي دور في المجتمع, ليس أعظمها استجواب ضباط هزمهم الشعب في سعيه للمدنية وحقوق الانسان, طلعت الطيب ذهب ليذم كل الشعب ويصفه بأنه "يمتلئ بمشاعر الذكورة.
أما ياسر عرمان المحسوب على اليسار, بتاريخه البعيد جدا, فلم يفوت الفرصة, وكتب مقال بعنوان "السفيرة أم حمد التي هبرت وعبرت…حديث في مأساة الجيش والحركة الإسلامية". ياسر عرمان لم يرى الذكورية في غزوة سناء حمد ولم يستنكرها ولكنه مارسها عيانا بيانا فقد كتب: "حينما استمعت لحديثها في المرة الأولى غضبت وتذكرت محاربي الجيش الاشداء في الأراضي الساخنة مثل العقيد عبدالرحمن بلاع والعميد فرح ادم و العميد عثمان عبد الرسول و المقدم سالم سعيد,وسرحت قليلا ماذا لو شاهد السفيرة ام حمد وهي تتحدث كل من الفريق أحمد محمد أول قائد للجيش وأحمد عبدالوهاب وحسن بشير نصر و المقبول وعوض خلف الله وعبدالماجد حامد خليل وغيرهم, كيف سيكون رد فعلهم؟". لقد ثار غضب ياسر عرمان, الثوري السابق, لحال ضباط الجيش الذين إهانتهم الاقدار وجلسوا لامرأة لتحقق معهم, وسرح يستحضر أرواح "محاربي الجيش الأشداء" الذين يعتقد في ذهنه أنهم ما كانوا ليرضون "بـالعار والإهانة" وتساءل "كيف سيكون رد فعلهم؟" لو عرفوا ان ضباط كبار في الجيش جلسوا ل"واحدة ست", كما كتب بكري الصائغ, لتحقق معهم. يجب ان لا ننسى أن ياسر عرمان الآن في قيادة تحالف قحط-تقدم الذي يختطف قيادة ثورة ديسمبر ويدعي أنه يقود السودان الى رحاب المدنية وحقوق الانسان.
اصل الداء والخلاصة:
إذن ماهي المشكلة, وكيف فشل عدد من قادة الرأي في معسكر المدنية في التعرف على كنه ما ينادون به عندما تبدى امامهم ممارسة؟ المشكلة في رأيي كانت في أن أغلب هؤلاء لم يتعمق في فهم جوهر اهدافهم, ولم تكن لديهم صورة واضحة لشكل ومضمون ومنهى ما يسعون و"يناضلون" من أجله. وغاية معرفتهم بجوهر الأهداف التي ينادون بها وقف عند الشعارات التي يرفعونها في المظاهرات, ولم يغوصوا أعمق من السطح. وذلك كان لانهم لم تكن لهم رؤية تقودهم في النضال, وتساعدهم في التعرف على منتوج نضالهم, عندما يتخلق وينتصب أمامهم. لتكون لديك رؤية لمسألة حرية المرأة, يفترض أن تسأل نفسك اسئلة بالاجابة عليها ستكون فهمت نهايات وابعاد حرية المرأة. المرأة الحرة ستكون ربة منزل وستكون معلمة وطبيبة وقائدة سياسية و جندية في الجيش وايضا جنرالا ومحققة وستكون مسؤولة عن ملفات حساسة, وببساطة ستمارس كلما يعتبر حكرا على الرجل في الممارسة الاجتماعية. ولتكون لديك رؤية لماهية المدنية, يجب أن تصل من خلال التعلم و التمحيص والتفكير بصورة كاملة وواضحة وجلية للنظام المدني. في النظام المدني يتساوى المواطنون رجالا ونساءا في الحقوق والواجبات ويخضع الجميع لحكم القانون مدنيون وعسكريون. و القانون في الدولة المدنية يحتم أن يكون العسكري خادما ومنفذا لأهداف القيادة السياسية المدنية. اخذ الامور بظواهرها والاكتفاء بشعارات المظاهرات يقود الى ما عكسته المقالات التي ناقشها هذا المكتوب: قادة الرأي في المعسكر المدني ينكرون ممارسة المدنية في تنظيم سياسي و يستكثرون على سيدة قيادية في حزبها, ان تقابل قادة العساكر في تنظيمها ويعتبرون ذلك عارا ومسبة في حق الضباط!
قد يقول قائل, ولكن سناء حمد اسلامية "كوزة", وهؤلاء الضباط كيزان, وهم جميعا ضد الدولة المدنية وضد الثورة, فلا يمكن أن نأخذ ما فعلوه مثالا للممارسة المدنية, وان المدنية تمارس على مستوى الدولة لا على مستوى الأحزاب, اذن يحق لنا أن نقرعهم ونستهزئ بهم. لكننا نذكر من جال مثل هذا الكلام في رأسه, الا ترى انه اذا مارست كل الأحزاب السياسية نفس الشئ, واخضعت عسكرييها للتحقيق أمام لجان من المدنيين, رجالا او نساء, الا يقربنا ذلك أكثر الى ممارسة المدنية على مستوى الدولة؟ وإذا قبل ضباط الحزب الذي يرفض المدنية بالممارسة المدنية داخل حزبهم ألا يعني ذلك أنهم في الحقيقة قد "عبروا" كما يقول عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق, ومارسوا جوهر ما ننادي به؟ لكن ما ظهر من كل تلك المقالات هو العكس, الاسلاميون يمارسون المدنية داخل تنظيمهم ويخضعون عساكرهم للتحقيق, ودعاة المدنية يستنكفون ذلك. والاسلاميون صعدوا نساءهم لمناصب قيادية و ائتمنوهن على أسرارهم وكلفوهن القيام بمهام يعتقد بكري الصائغ ان الشعب السودان لا يستطيع حتى تخيلها, "امرأة تحقق مع رجال وضباط كبار كمان؟". والاسلاميون تحررت نساءهم بعد أن علمتهم الغيرة من جهود الحزب الشيوعي لتحرير المرأة, فكتبوا الكتب ونظروا جددوا في فقههم القديم, وأرسلوا نساءهم للبرلمان وكلفوا المرأة سناء حمد لتحقق مع كبار ضباط الجيش. والميدان, لسان حزب الشيوعي تنشر مقال يستهزئ باحدى ثمار ما بذره الحزب وحض المرأة السودانية والمجتمع السوداني ليناضلوا من أجله, وعندما تبحث في الانترنت عن جهود الحزب الشيوعي والاتحاد النسائي وتنظيراته في مسائل حقوق المرأة, لا تجدها. ما اوصلنا هو أننا وقفنا عند الشعارات ولم نسبر غور جوهر ما نريد!
الكساندر بوب كتب قصيدة مشهورة اسماها "مقال في النقد" سانقلها هنا بالانجليزية ليصل المعنى الحقيقي للقصيدة, و ايضا ساضع ترجمة كخلاصة لرأيي في كل هذه الهيلمانة.
"A little learning is a dangerous thing.
Drink deep, or taste not the Pierian Spring;
There shallow draughts intoxicate the brain,
and drinking largely sobers us again.
Alexander Pope, An Essay On Criticism"
الترجمة وبتصرف
"قليل المعرفة شئ مضر
اشرب بعمق, والا فلا تقرب ينبوع باييريا
هناك الاكتفاء برشفات ضحلة يسمم العقل, بينما الشراب حد الارتواء ينعشنا من جديد"