حميدتي وحلم ابليس في الجنة!
على خلاف ما يبدو ظاهريا للناس, وكأن مليشيا حميدتي المجرمة و المدعومة بدول في محيط السوداني الاقليمي والدولي تكسب الحرب باستيلاءها على مدن وحاميات عسكرية, في الحقيقة, مليشيا حميدتي المعادية للشعب خسرت الحرب جملة وتفصيلا. النصر في الحروب ليس دالة حتمية لاحتلال المدن و القرى او التنكيل بالناس. لو كان احتلال المدن و الاراضي يعني النصر كان هتلر خرج منتصرا من الحرب العالمية الثانية بعد احتلاله لمعظم اوروبا واراضي الاتحاد السوفيتي. لكن هتلر خرج مهزوما وستالين الذي خسر في بداية الحرب اجزاء واسعة من اراضي الاتحاد السوفيتي, وفرنسا التي اجتاحتها جيوش هتلر, وبريطانيا التي هدد هتلر امنها هم الذين خرجوا منتصرين في نهاية الحرب. اما هتلر فقد انتحر باطلاق رصاصة على نفسه. أذن النصر ليس باحتلال المدن ولا تقدم الجيوش بلا هدى ولا استراتيجية, النصر في الحروب يكون عندما يحقق احد الخصوم اهدافه من خوضها ويجبر خصمه على النزول لرغباته واملاءاته.
الحرب كما عرفها كارل كلوزوفيتز في كتابه "عن الحرب On War" هي ممارسة للسياسة بطرق اخرى, اي بالعنف. والاهداف السياسية لأي حرب تكون في كسب تأييد الشعب, وحرمان الخصم من تأييد الناس والحلفاء, واخضاع الخصم لينفذ مطالب الطرف المنتصر. اذا نظرنا لواقع الحرب في السودان منذ اندلاعها قبل عام ونيف, لن نجد ان الدعم السريع وعلى الرغم من استيلاءه بالغدر على مساحات كان مؤتمنا عليها قبل الحرب, او على مساحات اخرى انسحب منها الجيش, الدعم السريع لم يحقق اي هدف سياسي تسعى له قوة لها استراتيجية هادفة. بالعكس نجد ان:
1-المواطن يخرج من كل الأماكن التي يدخل فيها الجنجويد, مما يدل على رفض واسع لاجزاء كبيرة من الشعب السوداني للدعم السريع و معرفتهم انها قوة غاشمة ارتكبت كل انواع الفظائع في حق الشعب من قتل ونهب وسلب واغتصاب, فنزح اغلب من استطاع ان يخرج من بيته ودياره وهاجر الي مناطق اخرى, و سرعان ما تلحقهم عصابات الجنجويد المجرمة, فيهاجروا الي مناطق اخرى, وقد هاجر الكثيرون اكثر من مرة هربا من الجنجويد. هنا الدعم السريع خسر الشعب و لم يكسب تأييد اي قطاعات مؤثرة ما عدا الدعم السياسي والاعلامي الذي توفره له قوى قحت/تقدم المنبوذة اصلا من الشعب.
2- وعكس ما يحدث للجنجويد من هروب الشعب منهم, نجد ان الشعب ينزح لاماكن سيطرة الجيش, وان قوى مؤثرة من الشعب انحرطت فعلا في الدفاع عن نفسها بالمشاركة في الاستنفار, هذا يدل على انحياز الشعب للجيش. بل نجد ان الجيش كسب الحركات المسلحة في دارفور والنيل الازرق والذين كانوا يقاتلون ضده, كسب هولاء كحلفاء يقاتلون الان معه ضد الجنجويد. في نفس الوقت الذي نجد ان حلفاء الجنجويد في صفوف قحت/تقدم تجبرهم جرائم المليشيا على نشر ادانات خجولة, من بين اسنانهم, لبعض الجرائم التي يرتكبها الجنجويد. حتى الادارة الامريكية التي بدأت بموقف المساواة بين الجيش السوداني الشرعي ومليشيا الجنجويد المنحرفة و انتهى موقف الولايات المتحدة بالتصريح ان لا مستقبل للدعم السريع في السودان. الجيش يكسب حلفاء كل يوم والجنجويد يخسرون حلفاءهم. مرة اخرى دليل واضح ان الجنجويد خسر الحرب و كسبها الجيش, عكس ما يبدو ظاهريا.
3- الجرائم التي يرتكبها الجنجويد أضحت ظاهرة لكل العالم, جرائم الابادة الجماعية والنهب والتجويع التي يرتكبها الجنجويد ادانتها دول ومنظمات حقوق انسان والامم المتحدة. الجنجويد متهمون على مستوى العالم بارتكاب فظائع في حق الشعب السوداني, وبذلك خسروا امام الرأي العام العالمي.
بكل المقاييس الجيش السوداني هو الذي سيخرج منتصرا من هذه الحرب, فقد امتص الضربة الغادرة الاولى التي هدفت بها مليشيا حميدتي تحييده, وبكل حساباتها فانها كانت تتوقع ان تقضي على الجيش وتستولى على الحكم في الايام الاولى للحرب بحصار القيادة العامة و اعتقال كبار الضباط و الاستيلاء على كل الوزارات و المناطق الاستراتيجية في العاصمة. هذا المخطط افشله الجيش. ثم ان الجيش لم يخسر اي معركة فعلية مع الجنجويد, لا في القيادة ولا المدرعات ولا اي مكان, لكن الجيش انسحب وفق استراتيجية للحفاظ على القوات و تجنب الخسائر في ارواح المواطنين, والانسحاب في العسكرية لا يعد الهزيمة, الهزيمة تكون عندما تخسر معركة وتنكسر ارادة احد الخصوم في مواصلة الحرب والاستسلام, هذا لم يحدث.
بالمقابل, الدعم السريع حظى بلعنات الشعب السوداني وغضبه ولم يكسب اي حلفاء, بل هو يخسر تأييد شركاءه في قحت/تقدم و ادانته دول كثيرة ومنظمات عالمية كقوة اجرامية و دفعت جرائمها دول عظمى كالولايات المتحدة لتقرر ان لا مكان للدعم السريع في الحلبة السياسية في السودان, فكيف وبأي منطق يعتبر بعض الكتاب و المساهمين في السياسة في البلد, ان قوة "طبظت" عينها بهذه الرعونة و البربرية منتصرة في الحرب؟ واكثر من ذلك, في اي مفاوضات قادمة الدعم السريع هو الذي سيتم اجباره على الخروج من بيوت الناس والمباني الحكومية والوزارات التي استولى عليها غدرا, والدعم السريع هو من يتعين عليه دفع تعويضات للمواطنين وللدولة عن كل الخسائر التي تسببت فيها حربه بالوكالة عن قوى اقليمية ضد الشعب, والدعم السريع هو التي فقد اي مشروعية في الوجود في السودان تنفيذا لامر الشعب "الجنجويد ينحل" وقرار ادارة بايدن الامريكية. حميدتي يعرف انه خسر الحرب, بعكس ما يتمنى حلفاءه في قحت/تقدم وبعض الكتاب الذين يكتبون انطلاقا من مواقع ايدلوجية رغبوية, يكبرون وهم حكم السودان لدى حميدتي, وذلك هو حلم ابليس في الجنة.