حميدتي خسر الحرب و عليه وقف معاناة الشعب بانهاء تمرده واخضاع قواته للجيش والدولة السودانية!
بقلم بدرالدين احمد موسى الفيصل
من القصص المعبرة والتي تذكر الناس بان احتلال الاراضي والاستيلاء على المباني الحكومية, خيانة, لا تعني البتة ان المعتدي قد انتصر في حرب. يتندر المحللون السياسيون و الاستراتيجيون بما حدث بعد هزيمة الولايات المتحدة سياسيا ودبلوماسيا واخلاقيا في حربها على فيتنام. بالرغم من ان الولايات المتحدة قصفت اراضي فيتنام بما يعرف بال carpet bombing بمعنى انها لم تترك شبر في اراضي تلك الدولة الا واسقطت عليه وابل من القنابل, وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة تقريبا كسبت كل المعارك العسكرية التكتيكية التي خاضتها ضد الشعب الفيتنامي,الا ان الولايات المتحدة خرجت من الحرب خاسرة استراتيجيا وسياسيا واخلاقيا. القصة تقول انه واثناء المفاوضات التي عقدت لوضع اللمسات الرسمية لنهاية الحرب, فان المفاوض الامريكي الكولونيل هاري سمرس قال مخاطبا المفاوض الفيتنامي الشمالي الكولونيل تو:
“‘You know you never defeated us on the battlefield"
"انت تعرف انكم لم تنتصروا علينا عسكريا على ارض المعارك!".
كولونيل تو اطرق لبرهة ثم رد على الكولونيل الامريكي:
"That may be so, but it is also" irrelevant"
" ربما كان ذلك صحيحا ولكن ذلك لا يعني اي شئ للوضع الحالي"
يعني ان انتصارات الولايات المتحدة في المعارك في الميدان, لا معنى لها, لان تلك الانتصارات لم تقود للانتصار النهائي في الحرب. الولايات المتحدة في تلك الحرب كانت الخاسر سياسيا, مع انها كسبت كل المعارك الميدانية. هزيمة امريكا في حرب فيتنام جاءت نتيجة للاستراتيجية الخاطئة التي انتهجتها, تكتيكات التدمير الكلي والابادة لم تنجح, وان نجحت في تقتيل الشعب الفيتنامي, الا انها لم تستطع كسر ارادته في نيل حريته واستقلاله. وهذا ما قرره الاستراتيجي الصيني سن سو منذ الاف السنين حيث قال "ان تحارب وفق استراتيجية ناجحة واخطأت في التكتيكات ستنتصر ولكن ذلك سيأخذ وقتا اطول, لكن ان تحارب اعتمادا على التكتيكات بلا استراتيجيا فان تلك هي الجلبة التي تسبق الهزيمة المنكرة".
الدعم السريع لم يكسب كل المعارك في الميدان. فاحتلاله للخرطوم و العاصمة المثلثة لم يأتي نتيجة انتصارات على الجيش, وانما كان نتيجة للوضع الذي كانت تشغله قبل الحرب وكانت من مهامها حراسة المناطق الاستراتيجية في العاصمة, و استولت عليها بوضع اليد. كما ان دخولها للجزيرة لم يكن لانتصارها في اي معركة, فقد انسحب الجيش وترك لها الجزيرة وعاصمتها وكذلك في دارفور. وقد يقول قائل ان انسحاب الجيش في حد ذاته يعد هزيمة, لكن نفس القائل يكون قد نسى ان الانسحاب كتكتيك حربي وفق استراتيجية كلية مدروسة ممارسة دارجة بين الجيوش, فالانسحاب في النهاية هو حرمان احد اطراف الحرب من القدرة على تحقيق انتصار في معركة قد يتفوق فيها اما عدديا او بكثافة النيران او بمزية تفضيلية وفرتها له ظروف الجغرافيا. أذن على الرغم من ان الدعم السريع "الجنجويد" قد يبدو ظاهريا انه المنتصر باحتلاله اكثر من ستين في المئة من السودان-وفق تصريح احد المتحدثين باسمه في برنامج تلفزيوني مشهود- لكنه عمليا قد خسر الحرب. وساسوق الاسباب التي قادتني لهذه النتيجة ادناه:
1- ممارسات الدعم السريع من تقتيل عشوائي واهانة وتعذيب للمواطنين وابادة جماعية للمكونات المحلية في دارفور و الجزيرة قد قادت الشعب السوداني لرفض التعايش مع مليشيا حميدتي. الشعب المنكوب اختار الهجرة داخليا او خارجيا لكي لا يعيش في اي منظقة سيطرت عليها المليشيا, سواء في دارفور او كردفان او العاصمة-بمدنها الثلاثة-او الجزيرة او لاية سنار. اغلب الشعب هاجر وترك منازله و مناشطه من تجارة او زراعة ليحتلها مرتزقة الدعم السريع. ولجأوا لمناطق يسيطر عليها الجيش حيث يطمئنون على سلامتهم وامنهم. اذن "انتصارات" الجنجويد الظاهرية قد ادت ليرفضه الشعب, وهذه خسارة سياسية, وهل هناك خسارة اكثر من ان تؤدي انتصاراتك ليلفظك الناس؟!
2- تخلى عنه حلفاءه. طوال هذه الحرب, لم نرى اي قوة مجتمعية او سياسية معتبرة تعلن انحيازها الصريح للدعم السريع ما عدا مجموعة احزاب قحت/تقدم وحتى هذه لا تعلن تأييدها للدعم السريع, وانما تتستر وراء حجاب الحياد.
3- لا يستطيع ان يتمدد في اي مكان اخر في السودان فالشعب في شمال السودان وشرقه وعى الدرس و حمل السلاح ليدافع عن عرضه وممتلكاته وبقاءه
4- الكثير من الدول و المنظمات الاقليمية والدولية شهدت بتجاوزات مليشيا حميدتي وتعديها على امن المواطنين السودانيين واعراضهم في جرائم يصنفها القانون الدولي بانها جرائم ضد الانسانية ومنافية للاخلاق السوية. اذن قانونيا واخلاقيا مليشيا الجنجويد مدانة نتيجة لتعديها على حرمات وحقوق الشعب اثناء استيلائها على المدن.
5- اكثر من مسئول من دول كبرى صرحوا بانه لا مستقبل للدعم السريع في السودان. اذن الدعم السريع "خط نصره فشل", فاحتلاله للمدن ادى لمنعه من اي دور سياسي او عسكري في السودان مستقبلا, وهل هناك فشل وخسارة اكبر من ذلك؟
بناء على ما سبق وهناك اسباب عديدة اخرى, فانني ارى ان الدعم السريع لانه يحارب بلا استراتيجية واعية, وان كل هدفه هو اذلال الشعب و الانتقام و التقتيل, فان ما يبدو انتصارات باحتلاله المدن و القرى, قد تترجم في النهاية الى هزيمة ماحقة, فالشعب نبذه وخسر حلفاءه واصبح مدان عالميا بارتكاب جرائم ابادة جماعية ضد الشعب السوداني. لذلك نجد انه اول ما دعت الولايات المتحدة لمفاوضات في جنيف, هرول الجنجويد و ارسلوا وفد ليقللوا من خسائرهم, املين ان يستغفلوا الشعب السوداني والعالم, و يحققوا مكاسب تاسيسا على انتصارات زائفة.
وقف الحرب لا يحتاج لمفاوضات, هذه الحرب بدأها الجنجويد وخسروها اخلاقيا وسياسيا, وما عليهم الا التسليم بالامر الواقع, بانهم خسروا الشعب والعالم, كما فعلت الولايات المتحدة في فيتنام واقرت رغما عن كونها احتلت كامل اراضي فيتنام ظاهريا, وقتلت وشردت ملايين الفيتناميين عسكريا, بانها خسرت الحرب اخلاقيا وسياسيا وقبل ذلك استراتيجيا. حميدتي خسر الحرب اخلاقيا وسياسيا و استراتيجيا وعليه كف اذاه عن الشعب السودان. عليه ان يضع البندقة فورا.
#وقف الحرب في السودان #السودان
#حميدتي #الدعم السريع #الجنجويد