اعلان باريس, يحتاج لأكثر من مجرد التوقيع عليه .. بقلم: بدرالدين احمد موسى الفيصل
نشر في سودانيل يوم 12 - 08 - 2014
badreldinmusa1@sbcglobal.net
اعلان باريس, يحتاج لأكثر من مجرد التوقيع عليه ليكون اداة للتغيير السياسي في السودان.بقلم: بدرالدين احمد موسى الفيصل
الاتفاق الذي توصل له السيد الصادق المهدي و قيادة الجبهة الثورية في باريس, خطوة ايجابية, و لكن تحتاج لخطوات واسعة في مداها, سياسيا و دبلوماسيا, لتتحول لقاعدة و منصة لحل سياسي في السودان. في اعتقادي ان اهم نقطة في كل الاتفاق هي: اعلان الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق استعدادها لوقف الحرب من جانبها. وقف الحرب سيكون مفتاح لحل ازمة السكان المهجرين و اللاجئين داخل السودان او خارجه. من المهم تطوير الاتفاق ليتحول لبرنامج سياسي-انتخابي يقوم على مقترحات قابلة للتحقيق على ارض الواقع لاخراج المواطن من حالة البؤس التي فرضتها الانقاذ و سنينها- الخمس و عشرين- العجاف. برنامج انتخابي سياسي يجمع المعارضة خلف مرشحين لملء المناصب السياسية ابتداءا من منصب رئيس الجمهورية و حكام الولايات و يمتد ليغطي المحليات و لجان الاحياء. هذا مهم جدا اذا اردنا ان نجيب على السؤال الذي تطرحه الجماهير كلما ادلهمت عليهم ظلمة مصاعب المعيشة و انعدام الخدمات. السؤال نفسه ما فتأ يطرحه نظام الانقاذ الفاشل لتخذيل المواطنين و تثبيط همم المنادين بالتغيير.السؤال كان دائما و ما يزال:"اذا ذهبت الانقاذ, من سيكون البديل؟"
اود ان اشير في البداية الي اني لن احتفل بحقيقة ان الاتفاق يعبر عن انتصار لرؤية حزب الامة و رئيسه السيد الصادق المهدي, الذي عبر عن موقف صحيح منذ البداية, برفضه خيارات الحرب الاهلية و استفادته من الدروس المجانية التي قدمتها التجارب في الصومال و ليبيا و سوريا. كما اني لن اشمت على الجبهة الثورية التي تمترست خلف البندقية و عملت على اقصاء حزب الامة و حرضت "حلفاءها" في الاجماع الوطني لدفع حزب الامة خارج اطار تحالفها, و الان وقعت على اتفاقية تركزت قصرا على ما رفضته سابقا. و بالضرورة لن اشمت على تحالف الاجماع الوطني, الذي رفض ان يضطلع بدور قيادي في رسم مسارات المعارضة و استراتيجيتها, و ترك نفسه يتنكب خطوات المعارضة المسلحة, و الان يجد نفسه مجددا في نفس الموقف البائس بعد نيفاشا, حيث بصم فقط على اتفاقية الانقاذ و الحركة الشعبية التي اضاعت البلاد. فلنتجاوز كل ذلك و لننظر لكيفية تحويل اتفاقية باريس لأساس لبرنامج جيني يفتح افاق لتخصيب الواقع السوداني و يدفعه في مسارات الديمقراطية و الانفتاح.
اول خطوة و قبل اي شئ اخر, ليتحول الاتفاق لحقيقة, يجب ان تثبت المعارضة جديتها و رغبتها في الاتفاق و العمل كيد واحدة ضد الانقاذ. لا يعقل ان توقع حركات سياسية على اتفاق يعد وثيقة قانونية تاريخية يناط بها الكثير, وفي نفس الوقت لا تستطيع كبح جماح منسوبيها-سواء اكانوا اعضاء او مؤيدين-من الهجوم الغير مبرر على الطرف الاخر الموقع على الاتفاق. الحملة الجائرة على السيد الصادق المهدي و اسرته و حزبه يجب ان تتوقف فورا كعربون لحسن النوايا و تعبير للاستعداد للعمل المشترك. نتوقع صدور توجيهات رسمية من قيادات الحركات الموقعة لمنسوبيها تطلب منهم الحد من حملاتهم العبثية و التحول لمواقف تعزز التعاون و تبني لحمة العمل المشترك.
اهم نقطة, في نظري, لتحقيق "وحدة" جميع القوى المعارضة للانقاذ الان, هي ان تتوصل المعارضة لخلق قيادة موحدة و على قلب رجل واحد, واجب تلك القيادة هو رسم استراتيجيات و تكتيكات حراكها لتقنية كل المجهود المعرض في قنوات هي الاكثر قدرة على جرف الانقاذ و تفكيك قبضتها على البلاد. و مهم ايضا ان تتوافق المعارضة على ترشيح مجموعة من الشخصيات الكفوءة و المقبولة جماهيريا لينافسوا مرشحي الانقاذ على كل مستويات العملية السياسية. في حال وقوف كل المعارضة خلف مرشح واحد لمنصب الرئيس, لن تكون هناك اية فرصة امام الانقاذ للتزوير او "الخج", ستكون هزيمتها ماحقة. من الطبيعي ان يطرح البعض السؤال:"اذا طرحت المعارضة مرشحين ليخوضوا انتخابات, الا يكون ذلك خضوع لرغبة الانقاذ في توريط المعارضة في انتخابات لتكسب الشرعيةاذا فازت فيها, خاصة, و انها بارعة في التزوير و "الخج"؟" الاجابة لا, ليس بالضرورة!
ليس على المعارضة واجب قبول شروط الانقاذ, و لا قبول جدول انتخاباتها. على المعارضة المطالبة بفترة انتقالية تبدأ من لحظة توقيع اتفاق تفكيك الانقاذ تمتد لعدد من السنوات ببرلمان قائم على مبدأ التمثيل النسبي و حكومة ائتلافية, تكون مهامها واضحة, تتضمن الغاء كل القوانين المقيدة للحريات و التي تكرس الفرقة بين ابناء الشعب السوداني و تحقق في قضايا الفساد و تعيد المال المسروق للدولة و تنصف المواطنين الذين ظلمتهم الانقاذ سواء في ارواحهم او وظائفهم او اعمالهم و تضع دستور مدني ديمقراطي تقوم على اساسه انتخابات ما بعد الفترة الانتقالية.
في حال الاتفاق على شخصيات تمثل المعارضة لملء مناصب الدولة, يجب ان تبحث المعارضة في توفير كل السبل من مال و عتاد للقيام بحملة انتاخبية-ليس شرطا ان تشارك في انتخابات الانقاذ-تجوب كل السودان, مدن و قرى و حلال, لطرح برامج المعارضة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و لمناقشة مسائل الدستور و تلمس اراء الشعب. هذا يتطلب تدريب للمرشحين في اساليب العمل السياسي و الخطابة و الحوار, يجب ان توضع في الحسبان.
الامر المهم جدا, بعد الاتفاق على شخصيات مقبولة في المجتمع السوداني للترشيح لمناصب الحكومة المختلفة, يجب صياغة برنامج اقتصادي اجتماعي موحد للفترة الانتقالية, يمثل كل السودانيين, و يهدف لتطوير الاقتصاد السوداني و تفعيل المشاريع الزراعية و الصناعية و الخدمية تفتح المجال واسعا لمشاركة فعالة للشعب في العملية الاقتصادية و خلق الوظائف تقوم على حاجات حقيقية تقتضيها العملية الانتاجية. تلك العملية تتطلب اعادة صياغة لكل القوانين التي تحكم العمليات الاقتصادية بحيث تتحول لمحفزات للانتاج و الكفاءة.
من اخطاء المعارضة الديمقراطية, في السابق, تغافلها عن القيام بنشاط دبلوماسي في الاقليم السياسي المحيط بالسودان و العالمي. الان و بعد اتفاق باريس, يجب ان تلتفت المعارضة الديمقراطية للعمل الدبلوماسي, و تحدد ممثلين للمعارضة في كل العالم. يتأسس العمل لعكس نشاط المعارضة و لحشد الدعم السياسي و الدبلوماسي لاحكام الخناق حول حكومة الانقاذ, و دفعها لتتخذ مواقف ايجابية و ملموسة في طريق بسط الحريات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية, و لتغير سياساتها التي دمرت علاقات السودان مع دول العالم فاصبح منبوذا و مطرودا في كل الساحات الدولية, و جعلت شاغلي المناصب الدستورية فيه مطاردون كمجرمي حرب و مرتكبي جرائم ضد الانسانية.
استعداد الحركات المسلحة لوقف الحرب فورا, و الذي نص عليه اتفاق باريس, يجب ان يترجم في التزام صارم بعدم اللجوء للحرب مستقبلا كوسيلة لمقاربة المشاكل السياسية-الاجتماعية-الاقتصادية, الحرب تعقد المشاكل بدل حلها. يجب ان تلتزم المعارضة للشعب, بانها ستضع بند في الدستور القادم يحرم الحرب و يجرم مرتكبيها و يعاقبهم بحرمانهم من الحياة السياسية مستقبلا, تمثلا لما جاء في دستور الولايات المتحدة الذي يحرم من يلجأ للحرب الاهلية من المناصب الفدرالية و الولائية و من المشاركة في الحياة السياسية. ذلك سيكون الضمان الوحيد لكي لا تتكرر تجربة رجوع الحركاتالاقليمية للسلاح مجددا كلما ظهرت مشكلة سياسية او اقتصادية او اجتماعية, لتفادي ما لحق نتيجة ذلك الميل في الماضي من دمار بالمجتمعات التي خيضت الحروب على اراضيها. مهم جدا ان يتضمن برنامج المعارضة بنود حول اعادة بناء الجيش السوداني على اسس وطنية قائمة على المهنية و الكفاءة, و تثبيت اليات و مكينزمات قانونية و ادارية في الجيش تحقق ضمانات لمنع الانقلابات العسكرية مستقبلا.
اي اتفاق لا تتم ترجمته لاجراءات ملموسة لمنافسة الانقاذ و هزيمتها سيكون مجرد حبر على ورق, مثل الكثير من اتفاقات المعارضة السودانية في السابق. و لكي ننافس الانقاذ يجب ان نحدد اي معارك سنخوض و اي اسلحة سنستخدم. بما ان المعارضة و منذ اليوم الاول للانقاذ طالبت باستعادة الديمقراطية, عليها ان تعد لخوض معركتها في ارض الديمقراطية. يجب ان تعد للانتخابات حتى لو لم يكن واضحا انها ستخوض انتخابات في الافق الزمني القريب. مهم ان يكون لها مرشحون اكفاء, و مسنودون من اكبر قاعدة جماهيرية في الشعب السوداني. و لتبني قاعدة جماهيرية على المعارضة البدء فورا في نشاط سياسي انتخابي يبدأ من الصالونات و ساحات القرى و الاحياء و ينتهي على القنوات الفضائية و الاذاعة و تقدم اشخاص متمكنون من القضايا السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و ذوو رؤى واضحة تقود الشعب السوداني وفق برامج محدد و اجراءات قانونية و ادارية لرحاب الديمقراطية و التنمية.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره
—------------
https://www.sudaress.com/sudanile/71200 .