بقلم بدرالدين احمد موسى الفيصل
ابتدر دكتور عبداللاي النعيم الندوة بتنبيه الحضور بانه سيقصر حديثه عن علمانية الدولة, وبذلك فهم الحضور بانه يتجنب الحديث عن العلمانية نفسها كمفهوم فلسفي وسياسي وممارساتي. دكتور عبداللاي النعيم لم يقدم للحضور اي تعريف لمفهوم "علمانية الدولة" وكيف يتم تمييز الدولة العلمانية من انواع الدول الاخرى, ولم يضرب للحضور امثلة بدول علمانية ودول اخرى غير علمانية, ليستطيع المستمع و المشاهد للندوة الممايزة وليخرج بفهم محدد بنهاية الندوة يساعده ليختار بين الدولة العلمانية التي يدعو لها دكتور عبداللاي النعيم والدول الاخرى في الساحة السياسية!
ثم اشار المتحدث بانه يقصد بمقولة الدولة العلمانية دولة المواطنة, وايضا لم يوضح للقارئ كيفية التمييز بين الدولة العلمانية كدولة مواطنة حسب ما زعم و دول المواطنة الاخرى.
الحديث عن اي ظاهرة سواء اكانت مادية او مفهومية فكرية من غير تقديم تعريف يضبط حدود المصطلحات ويبين للمتلقي الظاهرة الخاضعة للنقاش مشكلة كبيرة جدا, وينقص من القيمة التعليمية و المعرفية للمادة المقدمة في ندوة او نقاش او كتاب او اي من وسائط نقل المعرفة المتاحة. وهو غير متوقع خاصة اذا كان المتحدث اكاديمي ومعلم لعقود من السنين. كنت اتوقع ان يقدم المتحدث تعريف ولو موجز للعلمانية ونشأتها وتمظهراتها وامثلة للدولة العلمانية و الدول غير العلمانية, ليمسك المتلقي موضوع الندوة من قرنيه ويعرف بالضبط عماذا تتحدث الندوة و المخرجات المعرفية المستهدفة بالندوة.
السؤال هو لماذا تحاشى دكتور عبداللاي النعيم الحديث عن العلمانية وفضل بدلا عن ذلك الحديث عن الدولة العلمانية, ومن غير ان يحدد معالم علمانية الدولة وتمظهراتها؟
العلمانية ظاهرة اجتماعية سياسية وفكرية مرتبطة بما لا فكاك له بالمجتمعات الاوروبية المسيحية, لا يمكن نقل مفهوم العلمانية هكذا جزافا من اوروبا للسودان, او الشرق الاوسط, او اي مكان في العالم, الا اذا توفرت نفس الظروف الدينية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية تطابق ما كان في اوروبا في القرون الوسطى. لا يمكن ان تطالب بعلمانية الا اذا كانت لديك مؤسسة دينية (كنيسة) تسيطر على المجتمع عقديا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا. العلمانية نشأت في اوروبا نتيجة لوجود الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تتدخل في شئون المجتمعات الاوربية ومجريات حياة الناس. الكنيسة الكاثوليكية كانت اكبر مالك للاراضي في اوروبا, وكانت تنصب الملوك وتعزلهم بل وتحدد للملوك كيف من يتزوجون ويطلقون, كانت تتحكم في عقائد الناس فلا يمكنك الا ان تكون كاثوليكيا او تواجه سيف البابا. الكنيسة كانت تدعي لنفسها قداسة مطلقة فيما كانت تفعل وتمارس. بالمقابل فان ما يمارس في المجتمعات يعتبر مدنسا و يسمى (secular), ومن هذه الكلمة نشأت كلمة علمانية وليس كما قالت احدى المتحدثات في الندوة وادعت بان مصدر كلمة علمانية هو العلم او ما يسمى باللغة الانجليزية (science). اذن العلمانية هي مقابلة لكلمة "مقدس او الهي" المرتبطة بالكنيسة وكلمة "مدنس او دنيوي" ما يقوم به عامة الناس.
بالطبع قاوم الناس سيطرة الكنيسة وتبلورت تلك المقاومة في اشكال دينية (حركات الاصلاح الديني) و سياسية (مقاومة الملوك لسيطرة الكنيسة) وسياسية/مجتمعية/اقتصادية في المجتمعات الاوروبية. لكن اول حركة سياسية تبنت "العلمانية" كفكر سياسي على مستوى الدولة كانت ابان الثورة الفرنسية. وحتى الثورة الفرنسية فانها لم تضمن كلمة علمانية لا في دستورها الاول سنة 1791 ولا في دستورها الثاني سنة 1793 واستمرت على ذلك الحال من غير ذكر كلمة علمانية في الدستور الي سنة 1946 وجاءت فيه (اي دستور عام 1946) كلمة علمانية في سياق التعليم العام حيث نص الدستور على:"The nation shall guarantee equal access of children and adults to education, professional training, and culture. The establishment of free, secular, public education on all levels, shall be the duty of the state."
اذن حتى الفرنسيين, في البداية, حددوا ما يقصدون بكلمة علمانية وقصروها في مجال التعليم العام للاطفال و البالغين, كواجب اساسي من واجبات الدولة وكان ذلك نتيجة للورطة التي وقعت فيها الثورة الفرنسية عندما فصلت الدين عن "الدولة" لان اول نتائج ذلك كان تسليم امر التعليم الديني للكنيسة وبذلك صارت الكنيسة مسيطرة على تعليم قطاعات واسعة من الشعب. الدستور الفرنسي نص الزام الدولة الفرنسية بتوفير تعليم عام "غير ديني" للمواطنين. ولكن في الدستور الفرنسي عام 1958 تم استعمال كلمة علمانية على الاطلاق, بمعنى انها لم تعد تقتصر على التعليم الدنيوي, وانما صارت فلسفة للدولة. جاء في دستور 1958 في فرنسا في الباب الاول:"Article 1
France shall be an indivisible, secular, democratic, and social republic. It shall ensure the equality of all citizens before the law, without distinction of origin, race or religion. It shall respect all beliefs. It shall be organised on a decentralised basis. Statutes shall promote equal access by women and men to elective offices and posts as well as to position of professional and social responsibility."
اذن الدولة الفرنسية دولة "علمانية" لان الدستور الفرنسي نص على ذلك في الدستور الفرنسي, وحدد للدولة توفير تعليم عام دنيوي (غير ديني) للصغار و الكبار وان لا تفرق بين المواطنين على اساس المنشأ او العرق او الدين و ان تحترم كل المعتقدات. لكن هل ذلك هو حال فرنسا اليوم؟ فرنسا اليوم تضطهد النساء المسلمات و تمنعهن من ارتداء ما يرين انه جزء من معتقدهن الديني, وتمنع اليهود من ارتداء القلنسوة وكذلك السيخ وقس على ذلك. ذكر كلمة علمانية في الدستور ليس ضمان للمساواة و لا حرية الاعتقاد.
لكننا نجد ان الثورة الامريكية تجنبت ذكر كلمة علمانية في دستور الولايات المتحدة, ولم يأتي ذكر كلمة علمانية في كل نقاشات المؤسسين للدولة في الولايات المتحدة والتي جمعت ونشرت و يمكن الحصول عليها من الانترنت او في شكل كتب فيما يسمى ب"اوراق الفدرالي The federalist papers". امريكا ليست دولة علمانية كما ادعت احدى المعلقات في الندوة. امريكا دولة "مدنية" ولذلك يبدأ دستورها ب"نحن الشعب" وليس "امريكا دولة علمانية" كما يبدأ الدستور الفرنسي. اذن ادعاء المتداخلة التي قالت ان امريكا دولة علمانية, ادعاء لا يقوم على اساس بنص من الدستور او القانون الامريكيين. امريكا دولة "مرهة-كما يقول السودانيون للسيدة غير المشلخة" لا علمانية ولا دينية, او في الحقيقة هي دولة مدنية كما لاحظ توكفيل في كتابه "الديمقراطية في امريكا" حيث يقوم نظام الحكم على سيادة المجتمع المدني وحكم الشعب لنفسه ابتداءا من ادارة نادي الحارة او المدينة الي المنظمات المهنية والرياضية والتعليمية الي الحكومة نفسها.
قد يكون من المفيد استصحاب رأي نهرو, القائد الهندي, وقد رفض تضمين كلمة علمانية في دستور الهند. اثناء مناقشات صياغة الدستور في الهند تقدم النائب بروفيسور ك. ت. شاه بمقترح ادخال كلمة علمانية في الدستور الهندي حيث قال:"Sir, I beg to move, that in clause (1) of article (1), after the words "shall be a" the word "secular, federalist, socialist" be included"
تم رفض الاقتراح بحجة ان العلمانية اجنبية المنشأ, بمعنى ظروف نشأتها لا تتماشى مع ظروف المجتمع الهندي, وانها غير مناسبة للهند والاشكالات التي صاحبت تطبيقها في فرنسا وغيرها" راجع The Indian Express" ولكن انديرا غاندي فرضت كتابتها في الدستور بعد ثلاثة عقود من انشاء الهند بالتعديل 42 لدستور الهند. وحال الهند الان يوضح لمن يرى ان كلمة علمانية في الدستور ليست ضمان للحريات الدينية او السياسية.
ليس هناك مسوغات لا من ظروف السودان ولا طبيعة الصراعات السودانية و لا تجربة العالم (فرنسا) ان ينص في اي وثيقة تأسيسية للدولة السودانية على كلمة "علمانية" او علمانية الدولة. كما قال عبدالعزيز علي في مداخلته في الندوة, الدولة المدنية او دولة المواطنة كافية. ولا نحتاج لادخال كلمة-اشكالية في النقاشات السياسية في مرحلة حرجة كالتي يمر بها السودان الان. الشعب كله توافق على الدولة المدنية كما هو واضح من هتافات الشعب السوداني في ثورة ديسمبر "مدنيااااو".
---------------------
ادناه دردشة اجريتها انا بعد الندوة مع الجات جي بي تي او ما يعرف بالذكاء الاصطناعي, يعترف الشات جي بتي ان الولايات المتحدة لا تنص صراحة في دستورها بانها دولة علمانية عكس فرنسا و الهند و تركيا, واذا لم تعرف دولة نفسها بشئ معين, لا يمكن افتراض انها تمثل ما لم تعرف به نفسها.
A secular state is a country or political entity that maintains a separation between government institutions and religious institutions. In a secular state, religion does not have an official role in governance, and laws are typically created and enforced independently of religious doctrine. Key principles of a secular state often include:
Religious Freedom: Citizens have the right to practice any religion or none at all, without state interference.
No Official Religion: The state does not endorse, fund, or promote any particular religion.
Equality Before the Law: All citizens, regardless of their religious beliefs, are treated equally under the law.
Separation of Church and State: Religious institutions and government bodies operate independently of each other.
Examples of secular states include France, India, and the United States, where laws and governance are based on secular principles rather than religious authority.
4o
You said:
But the united states does not state in it constitution that it is a secular state like france and indaia
ChatGPT said:
ChatGPT
You're correct that the United States does not explicitly declare itself a "secular state" in its Constitution, unlike France or India, where secularism is a clearly articulated principle.
In the U.S., the concept of a secular state is derived primarily from the First Amendment to the Constitution, which includes two key clauses regarding religion:
Establishment Clause: "Congress shall make no law respecting an establishment of religion," which prevents the government from endorsing or establishing any religion.
Free Exercise Clause: "or prohibiting the free exercise thereof," which ensures that individuals can practice their religion freely.
Together, these clauses form the basis for the separation of church and state in the U.S., even though the term "secular" is not explicitly used. The interpretation of these clauses has been reinforced by various Supreme Court rulings, which have emphasized that the government should neither favor nor hinder any religion, thereby maintaining a form of secularism.
In contrast, countries like France (with its principle of laïcité established by law in 1905) and India (which explicitly declares itself a secular state in its Constitution) have more direct and explicit references to secularism in their foundational documents.
4o
ChatGPT can make mistakes. Check important info.