5 December, 2014
 
بقلم بدر الدين احمد موسى الفيصل 
كاليفورنيا, الولايات المتحدة الامريكية. 
بالامس وقعت قيادات المعارضة السياسية في السودان وثيقة جديدة في اديس ابابا, عاصمة اثيوبيا, بعنوان "نداء السودان".  الوثيقة, و الحق يقال, اعتبرها اختراقا خلاقا في العمل السياسي المعارض في السودان. ربما تكون هذه اول مرة تجتمع الاكثرية الغالبة للقوى المعارضة على كلمة سواء, و تطرح وثيقة تحدد الاطار "الموحد" لمواجهة نظام الانقاذ. رأيت عدد كبير من الانتقادات التي وجهت للوثيقة, فالبعض يرى ان لغتها عامة و فضفاضة, و انها تجنبت "تسمية بعض الاشياء باسماءها". و اخرون يرون انها ستكون مجرد ورقة جديدة تضاف للوثائق التي وقعتها القوى السودانية على مر تاريخه منذ الاستقلال, وكان مصيرها ارفف دار الوثائق,  حكومة الانقاذ بالطبع تشارك في هذا الرأي تبخيسا لجهود مناوئيها و هي تسعى لتخذيلهم و بث الوهن في نسجهم الجديد. فريق ثالث  انتقد طريقة وصول القادة لاديس ابابا وا لمحوا لانعدام الشفافية. و هناك من غمز بأن وراء اجتماع قادة المعارضة اوروبيون و امريكان. اول ما اريد ان اقوله لهولاء هو انه ينبغي ان نعلم ان لا شئ على وجه هذه الارض كامل مئة بالمئة, و انه لم توجد فكرة من قبل ولدت كاملة و بلا نقائص, لكن الاهم هو تطوير الفكرة و اخصابها لتحبل بما نريد. الاتفاق ايجابي ليس في ذلك شك. الوثيقة تضع قوى المعارضة في محك البحث عى الوسائل و السبل التي تترجمها الي ممارسة عملية للضغط على نظام الانقاذ و دفعه اما الي القبول بحل سلمي,يعبد الطريق لتغيير النظام, و يفتح ابواب المشاركة السياسية لكل الشعب السوداني في الحكم, او دفع الانقاذ في الهاوية التي حفرتها و القضاء عليها ب"القوة". 
السؤال الكبير هو, كيف نترجم الاتفاقات الاخيرة لقوة فعل تنتزع المبادرة من نظام الانقاذ, و تفرض عليه خيارات المعارضة. ما العمل؟ 
اول ما يجب ان نلتفت له هو ان الاتفاقية وحدت كلمة المعارضة, و ما يجب ان يتبع ذلك هو توحيد ارادتها في فعل سياسي هادف و بقلب انسان سوداني واحد. علينا ان نهزم استراتيجية "فرق تسد" التي تتبعها الانقاذ مع المعارضة بفرض مسارات مختلفة للتفاوض في الملفات الملتهبة المختلفة. الانقاذ ترفض ان تفاوض المعارضة كجسم واحد, و تتمسك بتجزءة القضايا بما يجعلها القوة الوحيدة القادرة على التحكم في مجريات العملية التفاوضية و المتحكمة في رسم افق الحلول. من الان فصاعدا يجب ان توحد المعارضة جهدها و تفرض واقع جديد يحتم على الانقاذ التعامل معها ككيان واحد, اينما  التفتت الانقاذ فانها لا يجب ان  ترى الا وجه المعارضة الموحدة. منذ الان الحكومة لا تفاوض حركات دارفور وحدها فيما تسميه ملف دارفور و لا تفاوض الحركة الشعبية وحدها  في ملفات جنوب النيل الازرق و جنوب كردفان, و انما تفاوض المعارضة السودانية. هذا يتطلب تنسيق عال جدا في التجهيز للمفاوضات و مشاركة فاعلة في صياغة المطالب و تحديد اسقف الاتفاقات. و هذا يتطلب وجود قيادة محنكة للمعارضة. 
من اهم الواجبات العملية التي تقتضيها الاتفاقية الموقعة في اديس ابابا, واجب خلق قيادة ميدانية تنفيذية للعمل المعارض. لأننا نحتاج لاستراتيجية موحدة و تاكتيكات موحدة, فاننا نحتاج لقيادة واحدة. لنتجاوز اشكال لجان رؤساء الاحزاب الاستشارية و نتجه لانتخاب قيادة مفوضة  تلتف حولها كل قوى المعارضة, قيادة  بأنياب حقيقية, و بامكانات مالية و قدرات دبلوماسية تمكنها من سهولة الحركة للايفاء بمتطلبات العمل القيادي. على القيادة الموحدة مباشرة وضع استراتيجيةلعمل المعارضة و اختيار المعارك السياسية و "غيرها" المفتاحية التي بخوضها يسهل خلخلة نظام الانقاذ و هزيمته. وضع الاستراتيجية وحده لا يكفي, فعلى القيادة الجديدة وضع خطة تنظيمية تستوعب طاقات كل الشعب و توزع المهام النضالية على اكبر عدد من منسوبي المعارضة لتحقيق وحدة حقيقية على مستوى القواعد و اكثر من ذلك لهزيمة اساليب الانقاذ التي تمرست في قطع الطرق امام العمل المعارض باعتقال قياداته, اذا وسعنا نطاق المشاركة و قسمنا المهام بكفاءة, فان اعتقال هذا القائد او ذاك لن يؤثر في الجهد ككل, و ستعجز الانقاذ عن وقف تراكم عملنا. هذا يتطلب تدريب قيادات ميدانية على كل المستويات. 
نعم, لقد نجح الشعب السوداني في السابق على احراز انتصارين كبيرين ضد الدكتاتوريات, و نعم, ربما لم يتطلب ذلك تدريب واسع لقيادات-فيما عدا التدريب الذي يناله اعضاء بعض الاحزاب التي تتوسل العلم و المعرفة في نشاطها- و نعم,لا يمكننا الادعاء بان كل الثورات في العالم قامت على اساس من التخطيط الهادف و الممنهج. لكن وجود "لب" صلب من القيادات دائما يدفع الثورات الي نهايتها المرجوة و يوفر للحركة الجماهيرية هيكل تلتف حوله و تقوم به. الانتفاضة القادمة لن تكون نزهة في حدائق الشعب, نقول ذلك و في بالنا ما حدث في سبتمبر 2013 ,المتظاهرون سيحتاجون لمعرفة اساليب احسن في مواجهة الرصاص و التعامل مع الغازات المسيلة للدموع و سيحتاجون لمعرفة مبادئ الاسعاف الاولي و تضميد الجروح, و يحتاجون لمعرفة احسن الاساليب في التعامل مع الاجهزة القمعية في حال الاعتقال, الاستجواب و التعذيب. علينا التأكد من تدريب اكبر عدد من الشباب على القدرات و المهارات الضرورية. المظاهرات ستحتاج لقيادات مدربة في التحكم في السلوك الجمعي للجماهير, ومن اجل الحد من النزعات الفردية العشوائية لتدمير المنشئات و ممتلكات الشعب. سنحتاج لقيادات قادرة على صياغة الشعارات ميدانيا, و توجيه احداثيات حركة المتظاهرين و تركيزها لتجميع اكبر قدر من القوة ضد تجمعات الامن و مرتزقة النظام. و لا يجب ان ننسى انه ايضا من المهم معرفة توقيتات الحركة و السكون, نحتاج لقيادات تعرف متى تبدأ بالتظاهر و كيف تحافظ على الاستمرارية و متى تتوقف. قد يقول قائل ان هذا سيكلف الكثير من الوقت و الجهد و المال, و قد يلهي قيادة المعارضة عن القيام بواجبات راهنة و مهام ملحة الان. اعتراض وجيه, لكن يجب ان لا ننسى انه يمكننا الاستعانة بالمئات او ربما الالاف من السودانيين ذوي الخبرات في مجالات التدريب, و ايضا استعمال تقنيات الكمبيوتر الحديثة لتوفير خدمات التدريب لاكبر عدد ممكن "اونلاين", بمعني وضع الكورسات في ملفات (فيديو, مقالات, باوربوينت) و رفعها للانترنت و تمكين المتدربين من استعمالها بسهولة و يسر. وهذا يتطلب توحيد العمل الدعائي و التحريضي ضد الانقاذ. 
يظن بعض الناس ان التنظيم هو ان تجمع مجموعة من البشر في خلية او اسرة عمل, لكن في الحقيقة التنظيم اوسع من ذلك بكثير. لتقود "ثورة" ضد نظام دكتاتوري عليك كسب ولاء الاكثرية الاعظم من الشعب و تحييد جزء اخر, ليتحقق لك عزل النظام و اعوانه, و من ثم التعامل معهم بأقل الخسائر. لتصل لاوسع الجماهير لابد لك من خطة للعمل الدعائي و التحريضي و لهذا العمل مقومات كثيرة لكن اهمها اعداد كادر اعلامي و كادر تحريض يتمتعون بأعلى درجات القدرة و الكفاءة. و مهم ايضا ان تكون لك شبكة من المصادر التي تأتيك بالاخبار, عن مجريات الحياة عموما, و ايضا عن ادق اسرار النظام و من داخله. يجب ان تتوفر تحت تصرفك كوادر مدربة على تركيز الفعل الاعلامي و استمراريته, لتحقق ما ترجوه من نتائج. كما لا يمكن ان نغفل ضرورة توفر وسائط اعلامية من اذاعة و صحافة مقروءة, بل و حتى قناة فضائية, لكن فلنبدأ بالاسهل و الاقل تكلفة, و ربما نبدأ بتطوير ما توفر حتى الان من تلك الوسائط و توسيع مداها. على المعارضة ان تستغل وسائل الاعلام الخارجية مثل البي بي سي و مونت كارلو و هما اذاعتان مسموعتان بكثافة في اوساط الشعب السوداني. يجب ان لا نسعى لترتيب لقاءات متواترة مع وكالات الانباء العالمية و تركيز المعلومات التي نود ايصالها للشعب. لكن مهم جدا ايضا ان نتأكد من مصادر معلوماتنا, و ان تكون لجان للاستقصاء عن صحة المعلومات, فأي اخطاء في نقل او نشر المعلومات غير المؤكدة ستجرح مصداقية المعارضة, و ستصب في النهاية في صالح النظام.  اقرب مثال هو  ما حدث في تابت في غرب السودان, عدم المهنية و التسرع اضعفاء جودة المعلومة و امكنتا الانقاذ لتنفد من الطوق, لأن الخبر افتقد المقومات المفترضة و عجزت المعارضة من تأكيده بوسائل يفترض ان تكون وفرتها على الارض من ازمان.اعتقد ان ابلاغ الجهات الاممية المتمركزة في دارفور, بالحادثة, لتبدأ في التقصي و التحقيق ربما كان سيكون اكثر فائدة من نشره بتلك السذاجةو تمكين الانقاذ من محو اثارها. فلنتريث في بعض الحالات, و لنتوخى الصدق و الامانة في نقل الاخبار دائما, و كما قال شيخنا العارف فرح ود تكتوك "كان الصدق ما حلاك, الكضب ما بحلك".المعارضة غنية بالكوادر الاعلامية و سبل و وسائل التدريب متوفرة للارتقاء بالاداء و مضاعفة النتائج. اذا تمكنا من انفاذ خط دعائي و اعلامي و تحريضي فعال, سيصطف الشعب السوداني و تتقارب صفوفه خلف قيادة المعارضة, ذلك يسهل بكثير عملية قيادة الانتفاضة و قدح شرارتها في الوقت المناسب. 
الاعداد للانتفاضة يجب ان يكون همنا الاكبر, لكن لا يمكن ان نتجاهل ان ما نسعى له في النهاية هو السلام في السودان. علينا ان نعد ايضا للتفاوض مع الانقاذ. هناك اصوات كثيرة في المعارضة ترفض و بشدة اية مبادرة للحوار مع المؤتمر الوطني, و مع الاقرار بان هناك مبررات عديدة لهذا الشك في نوايا الانقاذ و اليأس من ان تجنح للسلم, نجد ان  تجارب العالم تعلمنا انه حتى في افظع انواع الحروب, كانت القوى المتصارعة تعد ملفاتها و مطالبها للحسم النهائي من خلال التفاوض. على قيادة المعارضة رسم رؤية لسودان مدني ديمقراطي, بلا اقصاء و لا ظلم لأي من ابنائه تحت اية دعاوى. وجود رؤية واضحة لبلد يقوم على اساس دستور ديمقراطي و قانون عادل تطرحه المعارضة للجميع, وفيهم اعضاء المؤتمر الوطني, قد يفتح الطريق لبعضهم للانضمام للرؤية الجديدة و يقلل احتمالات المواجهة العنيفة المحتومة اذاما تمترس الجميع خلف تصورات لا تفسح مجال للاخر و لا تحترم حقوقه. هذا لا يعني اطلاقا ان نفرط في حقوق الذين ظلمتهم الانقاذ بالقتل و التعذيب و التشريد و المصادرة و التضييق في سبل العيش. علينا ان نكون واضحين جدا مع المؤتمر الوطني في انه لا سبيل للعفو عن اية جريمة, الا اذا قرر اصحابها العفو فيها. لكن علينا ان نؤكد على قانونية و نزاهة عملية المحاسبة و ارجاع الحقوق المسلوبة. هناك المئات من الملفات التي تنتظر الاعداد و التمحيص, علينا ان نبدأ فيها الان و نحرص على استكمالها في اسرع وقت لتكون جاهزة في خدمة اتيام المفاوضات. الدخول في حوار مع الانقاذ لتحديد اجندة التفاوض و استكشاف جديتها يجب ان لا يخضع لاية مساومات, في نظري التطرف في رفض الحوار لا يقل خطرا عن تطرف الانقاذ و الاثنان يصبان في مصلحةالدكتاتورية و يضران الشعب السوداني. 
توقيع اتفاق يوحد قوى الانتفاضة و يجمع جهودها يضع امام القوى الموقعة عدد من المهام, التي لا مناص من اكمالها, لتنجح القوى المناوئة للانقاذ في استرداد الديمقراطية و محاسبة الذين اجرموا في حق الشعب و ارجاع الحقوق التي سلبها مجرمو الانقاذ. اول و اهم المهام هو تكوين قيادة تنفيذية ميدانية للقوى المعارضة. على عاتق تلك القيادة تقع مهام وضع استراتيجيات للعمل المعارض في كل جوانبه السياسية و الدبلوماسية و الاعلامية و هذه تتطلب ايجاد السبل و الوسائل التي تضمن تنفيذ تلك الاستراتيجيات. واجب تدريب, او اعادة تدريب كوادر مهنية لتقوم بنتفيذ تلك الاستراتيجيات, اعتبره من المهام التي لا تقبل التأجيل, و هناك امكانات الواسعة وفرتها التكنلوجيا الحديثة لنستغلها في عمليات التدريب و اعداد الكوادر المطلوبة في كل المستويات سواء اكانت متقدمة, وسيطة او قاعدية. رسم خط تنظيمي يعتمد على استراتيجية اعلامية و تحريضية فاعلة لاشراك الشعب في النضال اليومي و اعداده للحظة الحاسمة, ينبغي ان يكون نصب اعين القيادة السياسية. علينا ان نستغل كلما هو متاح من وسائل اعلام و وسائط من الاذاعة و جرائد الي قنوات الاعلام العالمية لتوصيل رسائل المعارضة للشعب. لا يمكن ان تنجح اية محاولات لعزل الانقاذ اذا لم يكن للمعارضة خطة دبلوماسية و كادر مؤهل للاتصال بكل دول العالم المؤثرة و كسبها لصالح المعارضة. فلنعد للانتفاضة و كأننا سنقاتل الانقاذ ابدا, و نعد للسلام كأننا سنفاوض الانقاذ غدا. 
badreldinmusa1@sbcglobal.net 
 —-----------------
https://sudanile.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%9F-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%85%D9%88/